تعليق على محاضرة الشيخ عبد الله بن بيه حول الحاجة إلى الإيمان في عالم متغير

ثلاثاء, 15/10/2024 - 21:09

حضرت اليوم المؤتمر الدولي: "الإيمان في عالم متغير". المنظم بالتعاون بين الرابطة المحمدية للعلماء، ورابطة العالم الإسلامي، تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس، والمنعقد ليومين في فندق الريتز كارلتون بالرباط.

وقد استمعت لكلمة مولانا الشيخ عبد الله بن بيه التي كانت تحت عناوين عدة، من أبرزها العنوان التالي: "الحاجة إلى الإيمان في عالم متغير".

 

ويكنني أن أقارب هذه الكلمة من خلال مستويين حاسمين:

 

- المستوى الأول : وهو مستوى الإيمان معنًى ومبنًى : وقد ركز الشيخ من خلال العنوان السالف على ضرورة إزالة اللبس الذي قد يلحق بالإيمان من كونه عائقا أمام التقدم.

وقد عرج في هذا لعنوان على الربط الذي أقامه المتكلمون بين الإيمان والتغير، لاستفاء قياس حملي لمقدمة صغرى من أجل إثبات حدوث العالم.

[العالم متغير، وكل متغير حادث، إذا العالم حادث].

هذا على المستوى الكلامي. غير أن الشيخ لم تفته الحاجة الوجدانية للإيمان استنادا لمنظور باسكال حول حقيقة التلهي le divertissement، التي يلجأ إليها الإنسان للهروب من محدوديته التاريخية، وضعفه النفسي والفيزيولوجي.

ولعل هذا المفهوم يتقاطع مع ما أسماه الفيلسوف الألماني مارتن هيدجر بالوجود الزائف، الذي تنغمس فيه الذات، ابتعادا وهروبا من حقيقة أسئلة التناهي المحدقة بها من كل جانب.

ينتهي الشيخ في هذا المحور بالتحديد إلى التأكيد على أهمية الإيمان وضروته لإصلاح ما أفسده الإنسان ضد أخيه الإنسان، وضد عالمه المحيط به. من خلال اختراعات وتجارب وضعت في غير وضعها الطبيعي. وهو فساد أرجعه الشيخ لضمور الإيمان، وغياب الأخلاق.

 

 

- المستوى الثاني: وهو مستوى التكامل الأنطولوجي المنشود والمرجو بين البيان، والعرفان، والبرهان، من أجل استفاء تكامل الوجود في أبعاده المختلفة، فليست هذه المفاهيم مفاهيم معرفية فحسب، وإنما هي مفاهيم وجودية يتعلق كل واحد منها بنحو من أنحاء الوجود الإنساني المختلفة، ولا يتحقق التكامل الإنساني، إلا انطلاقا من هذه النظرة التكاملية.

لهذا يرى الشيخ بضرورة التكامل بين البرهان والإحسان في إشارة إلى ضرورة التكامل بين العقل والروح.

لكن هذا التكامل لا يتحقق دون "المعرفة"، أي معرفة حد كل علم، وعلاقاته التداخلية والتقاطعية مع باقي العلوم الأخرى. 

والعلم ينبني في جوهره على ثلاثة أركان رئيسية: الحس والعقل والخبر.

يقول الشيخ : "وأما الحس فإنه لا ينتج منفردا أي معرفة معتبرة في باب الإيمان. وأما العقل فمنه الضروري(...)ومنه النظري(...)وأما الخبر فهو الدليل الأكبر".

ولقد استغل الشيخ في هذا المحور الفرصة للتأكيد على أن "عدم الوجدان لا يعني عدم الوجود، وعدم العلم لا يعني علم العدم".

يتقصد الشيخ من هذه الصيغة التقابلية العودة ولو بشكل مضمر للنقاش الكلامي حول العلاقة الوجودية بين الدليل والمدلول.

فإذا كان الباقلاني (ت403ه) من معسكر الأشاعرة قد اضطلع بما سمي في علم الكلام بدليل بطلان المدلول ببطلان الدليل، وجعله أساسا منهجيا واستدلاليا.

فإن عضد الدين الإيجي (ت756ه) من ذات المعسكر قد فند  فكرة  بطلان المدلول ببطلان الدليل، بحيث يرى أن المدلول قد يكون معطى أنطولوجيا نخطئ في صياغة  دليل له، لكن هذا لا يعني أنه باطل، ويمكن التوصل إليه بأدلة أخرى، نجهلها، أو لم نتمكن من الوصول إليها.

وهذا هو لب ما حاول الشيخ إيصاله اليوم من خلال التمييز الحقولي بين أركان العلم.

بحيث لا يعني انغلاق ركن، انعدام ركن آخر، ولا يعني قصور ركن، توقف صلاحيات ومساغات ركن آخر. 

ومن خلال النظرة التكاملية وحدها نحقق المنشود بين العلوم والذوات، لهذا وجب بالنسبة للشيخ أن تتكامل المعرفة الدينية، مع المعرفة العلمية مع التجربة الإيمانية، بحيث لا تكون هنالك غضاضة من تفعيل دور العلوم والفلسفات في صياغة أساليب برهانية جديدة وطرق عرض مستحدثة للخطاب الشرعي، من دون أن يعني ذلك تامثلا ذاتيا تفقد فيه هذه الحقول تمايزها، وكينوناتها الخاصة، أو ما سماه هيدجر بالعنصر الخاص بكل علم على جهته المنفردة.

 

الباحث: محمد المختار أحمد فال أحمد سيدي