مع بداية المأمورية الأولى لرئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزوانى كان جل المتابعين للمشهد العام من خارج دوائر الثقة والإختصاص ينظرون إلى الوزير سيدى محمد ولد محم كمدون منشغل بهاتفه النقال، خارج أسوار التأثير والحكم، يحاول فرض نفسه فى عالم السياسة بالحضور الطاغى فى المشهد الإعلامى. يتحمل الإساءة دون مبرر، ويقدم نفسه للجمهور كمنافح عن سلطة لم تثق فيه، ويعتبرون فى جل خرجاتهم الإعلامية، وأحاديثهم الجانبية مجرد وزير لايريد أن يتقاعد، وسياسى برتبة "متطوع فى خدمة رئيس لم ينل منه الإهتمام المطلوب أو الإعجاب المتوقع ". ومع نهاية المأمورية الأولى كانت كل الأعين مشدودة إليه، فهو حكيم الأغلبية الهادئ، وعقلها العابر لمطبات السياسة والحكم، وعنوان بريد الرئيس المضمون، ولسانه الذى يعزي به أشرف نخب الأمة، وبه يتواصل مع خيرة جند الله على أرض الله (أهل الثغور)، ومدير أحيلت إليه "خزائن البلد" (ميناء العاصمة انواكشوط) لمعرفة مايجرى والإطلاع عن قرب على الواقع الإقتصادى للبلاد، وهو الذى خبر السياسة والإعلام وبات صاحب خبرة غير مسبوقة فى تفاصيل المجتمعات والأعراق والفئات بعد سنوات من تسيير أكبر الأحزاب السياسية وأكثرها حضورا فى المشهد الداخلى.
إنه الآن ثانى رجلين يهمسان فى أذن الرئيس، ولمثله تشد رحال الساسة من أجل حلحلة الـأمور الصعبة، وطرح المظالم العالقة، ومخاطبة مظان الثقة، وعلى عاتقه ألقي رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزوانى مهمة تسيير حملته الإنتخابية فى ظرفية بالغة التعقيد، مع الوزير الحاضر بقوة فى دهاليز الحكم خلال السنوات الخمس الأخيرة (سيد أحمد ولد محمد).
لايزال الوزير سيدى محمد ولد محم – رغم ضغط العمل- وإكراهات الموقع السياسى الجديد (المدير المساعد للحملة) فاتحا بيته من أجل استقبال الزوار الجدد والأصدقاء القدامى، يستمع لأوزان البعض، الواقعى منها و المفترض، وهو العالم بأوزان النخب كافة ، والعارف بتركبة البلد السياسية، يناقش بأدب، ويسأل من موقع الخبير بالتفاصيل، وينزوى فى ركن البيت أو الحائط مع صاحب كل حاجةـ ويقبل اعتذار كل مقصر من أصدقاء الماضى، ويتجاوز عن الإساءات التى وجهت إليه من البعض الآخر، معتبرا أن السجال السياسى محمدة، والنقاش الحر مكسب، وأفضل الناس من يعبر عما يعتقد بصدق، بغض النظر عن اللغة والمناسبة.
سأله أحدهم ذات مرة قبل تعيينه بسنتين " كيف تندفع فى خدمة نظام أنت أقل المستفيدين منه لحد الآن؟" .. ضحك وأزاح الهاتف من وجهه قائلا " حيثما وجد الخير والإنجاز والصدق مع الناس يجب أن نكون.. علاقتى بالرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى ليست علاقة موظف برئيس، أو طامح للتوظيف يقدم خدمة مقابل خير يرجوه، لكنها علاقة الأخ بأخيه، والشريك المنشغل بالمستقبل أكثر من الحاضر مع شريكه فى السير نحو الهدف المنشود. إن النظام الذى آمنا به، وسعينا لتجسيده يجب أن ننافح عنه بكل قوة، وأن ندافع عن حق الرئيس فى الحكم دون منغص، بعدما منحناه أصواتنا طواعية، وأن نرفع أصواتنا فى وجه المتآمرين عليه ،مهما كانت التكلفة الأخلاقية والسياسية لقول الحقيقة والوقوف فى وجه الرعاع".
يرفض الوزير سيدى محمد ولد محم مقارنة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى بغيره، ويقول بأن جهل النخب السياسية لأبناء المؤسسة العسكرية يدفعها فى الغالب لإرتكاب الأخطاء، ويعتقد أن الجميع فى النهاية سيدرك قيمة الرجل الذى وهبته الأقدار لموريتانيا فى الوقت المناسب.
لايزال الوزير سيدى محمد ولد محم قبل التوظيف وبعده يرفض منطق "بداة السياسة" كما يقول فى أحاديثه السياسية المفتوحة، ويعتبر أن الخلفية العسكرية للرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى، والتجربة الثرية للرجل داخل احدى أهم ركائز الجيش (المخابرات العسكرية) هي سر القوة التى يتمتع بها اليوم، ومصدر الثقة التى يتعامل بها مع خصومه. ويضيف " أتعجب من نخب سياسة تدفع بخيرة طلابها (باكولوريا الرياضيات والعلوم) إلى مصاف المؤسسة العسكرية، وتنفق عليهم ملايين الأوقية فى التكوين داخل أرقى المعاهد والجامعات العربية والغربية، وتمنحهم فرصة التكوين العسكرى بكل أنواعه (اللياقة البدنية وحمل السلاح والتعامل مع الأخطار وإدارة الأفراد) ، وتحيلهم لقيادة أهم المؤسسات المنظمة فى البلد (الجيش)، وتمنحهم مابيدها من سلاح، وأكثر مالديها من موارد، ثم تضع نفسها فى مواجهة الجميع لاحقا من أجل مناصب تحتاجهم أكثر من حاجتهم إليها، وتتصرف معهم وكأنهم خصوم يجب أن يحاربوا، وغرباء يجب أن يطردوا، ومغفلون يجب أن يبعدوا من واجهة التدبير والتسيير".
لايبدى الوزير سيدى محمد ولد محم أي اهتمام بالتوزير ما بعد الإنتخابات الرئاسية، أو الحضور فى بعض المناصب العليا داخل هرم السلطة الحالية. كما يقول للمقربين منه فى الكثير من الأحيان. ويعتقد ولد محم – وهو رئيس سابق للحزب الحاكم، ونائب لأكثر من مرة- أن السياسى الذى يمنح الثقة لايحتاج إلى التوظيف. ولايخفى إرتياحه لمستوى العلاقات القائمة فى الوقت الراهن رفيق دربه فى حزب الإنصاف سابقا، الوزير بالتشكلة الحالية المختار ولد أجاي، بحكم الرؤية التى يحمل الوزير، والثقة التى يتمتع بها ن قبل رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزوانى، والإضافة النوعية التى شكلها دخوله إلى الجهاز التنفيذي منذ أشهر.
يرفض الوزير سيدى محمد ولد محم الحديث عن سياسة الأحلاف داخل نظام واحد، أو ا"لكولسة" فى مشهد تنفيذى كل خيوطه بيد رئيس الجمهورية ، ولكنه لايجد غضاضة فى القول بأن المختار ولد أجاي أقرب الناس – بعد الرئيس إليه- وأن مثله من الشباب أولى بالحضور فى المشهد، وأنه هو (سيدى محمد) وغيره يليق بهم المساهمة من بعيد فى مشهد تنفيذى قال الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى فى رسالته الأخيرة – وهو محق- بأن الصدارة فيه يجب أن تكون للشباب، وللشباب فقط.
المصدر : آوكار نيوز