الإذاعة وحتمية المواجهة / عبد الرحمن يغل

جمعة, 29/09/2023 - 14:07

قبل أكثر من ثمان سنوات من الآن وبالتحديد يوم 17 مايو 2015 أوقف الاتحاد الدولي للاتصالات البث التماثلي وفق التردد العالي جدا (VHF) (174 - 230 ميغاهيرتز)، وقرر التحول إلى البث الرقمي، وقد كانت معظم الإذاعات تعتمد على موجات البث التماثلي للوصول إلى أكبر عدد من المستمعين خاصة في المناطق البعيدة التي لا يمكن توفير بنية تحتية للبث بها 

 

ومع سهولة إقامة وتشغيل المحطات الإذاعية، وانخفاض تكلفة اقتناء جهاز استقبال إذاعي واجهت الدول خطر الإذاعات الحدودية الموجهة وما تحمله من رسائل تصل إلى مواطنيها عبر الجيوب الحدودية دون قدرة على الحماية أو تحييد موجات البث التي تخترق - دون استئذان - حدودها.

 

واجهت إذاعة موريتانيا تقنيا وقف البث التماثلي الذي زاد مساحات الصمت في بلد شاسع مترامي الأطراف، كما استشعرت خطر التزايد المستمر للإذاعات الحدودية خاصة في الجنوب، مما وضعها أمام مسؤوليات لابد من مواجهتها والتصدي لها:

 

1 - تقليص مساحات الصمت والوصول للجمهور خاصة في المناطق النائية التي تغيب فيها تغطية الانترنت، ويصعب عبرها الوصول للبث التلفزيوني من الأقمار الاصطناعية؛

 

2 - مواجهة خطر الإذاعات الحدودية وضرورة حماية سكان المناطق الحدودية من محاولات الغزو الإعلامي والتوجيه الذي تقوم به إذاعات خارجية وبلغات سكان جيوب التماس الحدودي.

 

3 - تقريب الخدمة الإعلامية من المواطن، وتمكينه من إسماع صوته والتعبير عن رأيه، وتثقيفه وتوعيته لبناء إنسان قادر على مواكبة مسار التطور والتنمية.

 

- محطات قلصت مساحات الصمت وعالجت شؤون الساكنة المحلية

 

عمدت الإذاعة في السنوات الأربع الأخيرة إلى إقامة محطات إذاعية في الكثير من مناطق الصمت، ووزعت اختصاصها ليناسب كل منطقة، فشرعت في تشييد محطات تعنى بالتراث في المدن التاريخية، ومحطة تختص في الشأن المعدني كثروة أساسية للبلد، حيث أطلقت بثها وبث إذاعة موريتانيا في منطقة لم يصلها صوت إذاعي من قبل في المثلث الحدودي بين موريتانيا والجزائر ومالي في أبعد نقطة من العاصمة نواكشوط.

 

تخطط الإذاعة لإقامة إذاعة للسلامة الطرقية وأخرى للصيد، وتعميم تجربة الإذاعات المحلية لتصل جل مقاطعات البلاد، ضمن استراتيجية حصر مناطق الصمت، وتفعيل استراتيجية إعلام القرب ليسمع كل مواطن صوته ويعبر عن رأيه على بساط من الحرية والانفتاح.

 

مواجهة إعلام الحدود

 

تمتلك موريتانيا آلاف الكليمترات من الحدود وتزداد الكثافة السكانية في المناطق الحدودية خاصة في الجنوب وبمحاذاة نهر السنغال، وتنشط عشرات المحطات الإذاعية تبث بلهجات مختلفة مما يخلق نوعا من الإرتباط الثقافي والإعلامي بالدول مصدر تلك الإذاعات

 

لم تكن إذاعة موريتانيا في السنوات الأخيرة غافلة عن ذلك فشيدت إذاعات حدودية تواجه المد الإعلامي وتكرس إرتباط أهل الحدود بوطنهم، فإذا كانت توجد لهجات حدودية وتجارة حدودية لها طابعها الخاص، فإنه لا يوجد انتماء حدودي أو انتماء مزدوج، وعندها يتجلى الدور الحاسم للإعلام في صياغة شكل الانتماء والإرتباط وما ينجم عنهما.

 

- إذاعة موريتانيا.. بنية تحتية تتوسع  

 

أكدت الإذاعة أنها ستدشن قبل نهاية العام الجاري سبع محطات إذاعية واحدة منها في مدينة ولاتة التاريخية، إضافة لتدشين المقر الموحد لإذاعة القرآن الكريم وقناة المحظرة، وإطلاق اربع منصات للإنتاج السمعي البصري في النعمة ونواذيبو وتجكجة وسيليبابي

 

وتعمل الإذاعة منذ فترة على إطلاق إذاعة شباب الساحل لمواجهة الفكر الإرهابي وتكريس الوسطية والاعتدال، وزيادة الوعي بأهمية الأمن كأساس للتنمية، فيما تخطط الإذاعة لإطلاق إذاعة الشاطئ المكرسة لقرى الصيادين، حيث من المتوقع تدشين المحطتين خلال العام الجاري.

 

وتواصل الإذاعة إستراتيجية التوسع متتبعة مساحات الصمت، ومجسدة لإعلام القرب، في معركة تحول إعلامي يشهدها العالم زالت فيها الحدود وتضاعفت إشارات البث ووسائل النشر، مما جعل المواجهة أكثر شراسة والبقاء لمن يعمل ويكابد من أجل الوصول للجمهور.

 

عبد الرحمن يغل